أهميته عبر التاريخ
الحمام الزاجل له خاصية فريدة وهي قدرته على العودة إلى موطنه مهما بعدت المسافات نظراً لارتباطه به ويطير مسافة ألف كيلو مرت بدون انقطاع بسرعة تصل إلى كيلومتر في الدقيقة ، وترجع خاصية القدرة على العودة إلى موطنه إلى قاطقة مغناطيسية يستطيع من خلالها أن يحدد اتجاه سيره بالنسبة للمجال المغناطيسي للكرة الأرضية وكذلك بالنسبة لموقع الشمس في ساعات النهار وموقع النجنوم أثناء الليل وقد حدث بعدة حادثة تشرنوبل أن عدداً من أٍراب الحمام الزاجل ضلت طريقها في سماء أوروبا ولم تتمكن من العودة إلى موطنها بعد أن فقدت هه الخاصية بسبب تأثرها بالإشعاعات التي انتشرت في الهواء في هذه المنطقة .
وعن تاريخ هذا النوع من الحمام ذكر أحد الرحالة الانجليز في القرن السابع عشر أن سماء سورية خلت من الحمام لوقت ما أواخر في ذلك القرن والسبب في ذلك أن حمامة وقعت في شباك صياد أثناء طيرانها بين الأسكندرونة وحلب ووجد الصيادة رسالة مربوطة في رجلها كان قد أرسلها تاجر أوروبي إلى وكيله الحلبي يخبره فيها بارتفاع أسعار جوز العفصى في الأسواق الأوروبية ويطلب منه أن يرسل له كميات كبيرة منه فقام الصياد بتسليم الرسالة لتاجر سوري محلي عمل على شراء كميات كبيرة من الجوز وأرسلها إلى أوروبا وحصل منها مبلغاً كبيراً من المال .
وللحمام الزاحل عند العرب تاريخ طويل فهم من أولى الأمم التي عرفت أهميته وتربيته واهتمت بأنسابه ووضعت الكتب في طبائعه وأمراضه وعلاجه وقد ذكر الجاحظ اهتمام العرب وأنه كان لا يمتنع الرجل الجليل ولا الفقيه ولا العدل من اتخاذ الحمام والمنافسة فيها والأخبار عنها والوصف لأثرها والنعت لمشهورها .
وكان البريد الذي أسّسه الأمويون يعتمد على الخيل والجمال والبغال وتبادل الإشارة بالنيران والدخان والمرايا والطبول في إيصال الأخبار والمعلومات العسكرية من والي مركز الخلافة ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية وزيادة حروبها وفتوحاتها وكثرة الفتن الداخلية .
والقلاقل ومحاولات انفصال الأقاليم عنها ، ومع ازدياد مصادر الثروة وتوعها وكثرة مؤسسات الدولة ودواوينها صار لا بد من وسيلة أكثر كفاءة وسرعة لضمان أقصى فاعلية لعمل ديوان البريد الذي يتضمن عمله اتصال أطراف الدولة الواسعة ببعضها وربطها بالعاصمة ، لذلك ادخل الخلفاء العباسيون استخدام الحمال الزاجل في البريد لما يمتاز به من السرعة الفائقة ولسهولة إعادة نقله للأماكن التي ستطلقه مرة أخرى وانخفاض كلفة تربيته قياساً بالجياد والإبل ولتكاثره السريع وكذلك لطيرانه دون الحاجة لدليل أو مرشد ولدقته في الوصول لهدفه وأيضاً لجمال شكله ألفته وذكر الحميري في ( الروض المعطار) أن خلفاء بني العباس تنافسوا في اقتناء الحمام والعناية به وتوسيع دوره وتحسين نسله واخضعوه لمراقبة دقيقة ونظموا سجلات بحركته وخصصوا له مربين يتقاضون رواتب عالية .
ويروى أن المعتصم العباسي علم بانتصار جيشه على بابك الخرمي وأسره له عن طريق الحمام الذي أرسله قائد جيشه من الجبهة إلى سامراء .
ويذكر الحميري أنه بلغ من أهمية الحمام الزاجل أن وصل ثمن الطائر منه أيام العباسيين إلى سبعمائة دينار ، وقد بيعته حمامة منه خليج القسطنطينية بألف دينار .
ولكن الفاطميين تجاوزوا العباسيين باهتمامهم بالحمام الزاجل بأن وضعوا له ديواناً خاصاً كما ذكر القلقشندي في ( صبح الأعشي) وابتكروا وسائل للتغلب على إمكانية وقوع الحمام الذي يحمل الرسائل بأيدي العدو فاستحدثوا رسائل مرموزه لا يستطيع العدو التوصل لمعناها كما استحدثوا من أجمل الحمام ورقاً وأقلاماً خاصة .
كما ذكر يوسف الشيراوي في ( الاتصالات والمواصلات في الحضارة الإسلامية)) كان الحمام يقطع الالاف الأميال يومياً باتجاهات مختلفة في أنحادث الامبراطورية الإسلامية ساعده في ذلك سلسلة الأبراج التي نصبتها الدولة والتي يبعد الواحد منها عن الآخر حوالي خمسين ميلاً وكان مجهزة لاستقبال الحمام وإراحته أو استبداله وكانت القوافل الكبيرة تحمل معها أقفاص الحمام ، ترسل بواسطتها رسائل إلى مراكزها في كل مرحلة من رحلتها لكي ترشد القوافل الصغيرة التي تسير على نفس الدرب أو لكي تبلغ مراكزها يتعرضها لخطر ما فتطلب النجدة من أقرب مركز عبرته أو أنه تخبر المراكز التي تنوي الوصول إليها بمواعيد وصولها ونوع بضاعتها وأثمانها ومالكيها ..الخ ...ولكي يستقبلها التجار المعنيون بالأمر .
ويروى أن قروش مؤسس الامبراطورية الفارسية استخدم الحمام الزاجل للاتصال بالأماكن النائية في الامبراطورية كما تولى الحمام نقل أسماء الفائزين في أول دورة للألعاب الأولمبية وفي الحرب العالمية الثانية وعند هجوم الألمان على بلجيكا اصطحبه المظليون خلف خطوط الحلفاء ثم أطلقوه بعد ذلك حاملاً نتائج عمليات التجسس .
وفي فرنسا أجريت مؤخراً مناورات اشترك فيها الحمام الزاجل في إطار تدريبي على إمكانية الاشتراك في عمليات الاتصال أثناء حالات الطوارئ .
ولا يزال الحمام موضع اهتمام علماء الأرصاد والجيولوجيا للاستفادة من قدرته على توفير النفقات التي تتطلبها الأجهزة الجيولوجية مثل الأقمار الصناعية والطائرات وأجهزة الكشف بالأشعة تحت الحمراء حيث تستطيع حمامة واحدة بجهازها الملاحي الفريد أن ترشد بحاستها التي لا تخطئ إلى كثير مما نبحث عنه وتوفر الكثير من النفقات .